فصل: ومن شعر عز الدين صاحب الترجمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وأما أمر بيدرا فإنه لما قتل السلطان بايع الأمراء بيدرا بالسلطنة ولقبوه بالملك الأوحد وبات تلك الليلة فإن قتل الأشرف كان بين الظهر والعصر وأصبح ثاني يومه سار بيدرا بالعساكر إلى نحو الديار المصرية وبينما بيدرا سائر بعساكره وإذا بغبار عظيم قد علا وملأ الجو وقرب منه وإذا بالطلب عظيم فيه نحو ألف وخمسمائة فارس من الخاصكية الأشرفية ومعهم الأمير زين الدين كتبغا - وهو الذي تسلطن بعد ذلك بمدة على ما يأتي ذكره - والأمير حسام الدين الأستادار طالبين بيدرًا بدم أستاذهم السلطان الملك الأشرف خليل المذكور وأخذ الثأر منه ومن أصحابه وكان ذلك بالطرانة في يوم الأحد أول النهار فما كان غير ساعة إلا والتقوا وكان بيدرا لما رآهم صف من معه من أصحابه للقتال فصدموه الأشرفية صدمة صادقة وحملوا عليه حملة واحدة فرقوا شمله وهرب أكثر من كان معه فحينئذ أحاطوا ببيدرا وقبضوا عليه وحزوا رأسه وقيل‏:‏ إنهم قطعوا يده قبل أن يحزوا رأسه كما قطعت يد أستاذهم الملك الأشرف بضربة السيف ولما حزوا رأسه حملوه على رمح وسيروه إلى القاهرة فطافوا به ثم عادوا نحو القاهرة حتى وصلوا بر الجيزة فلم يمكنهم الأمير علم الدين سنجر الشجاعي من التعدية إلى بر مصر لأن السلطان الملك الأشرف كان قد تركه في القلعة عند سفره نائب السلطنة بها فلم يلتفتوا إليه وأرادوا التعدية فأمر الشجاعي المراكب والشواني فعدت إلى بر القاهرة وبقي العسكر والأمراء على جانب البحر مقيمين حتى مشت بينهم الرسل على أن يمكنهم الشجاعي من العبور حتى يقيموا عوض السلطان أخاه الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو صغير تسكينًا لما وقع وإخمادًا للفتنة فأجلسوه على تخت الملك بقلعة الجبل في رابع عشر المحرم من سنة ثلاث وتسعين وستمائة المذكورة وأن يكون نائب السلطنة الأمير زين الدين كتبغا والوزير الأمير علم الدين سنجر الشجاعي وحسام الدين أستاذ الدار أتابك العساكر‏.‏

قلت‏:‏ وساق الشيخ قطب الدين اليونيني واقعة الملك الأشرف هذا وقتله وقتل بيدرا بأطول من هذا قال الشيخ قطب الدين‏:‏ ‏"‏ وحكى لي الأمير سيف الدين بن المحفدار أمير جاندار قال‏:‏ كان السلطان الملك الأشرف قد أنفذني في أول النهار إلى الأمير بدر الدين بيدرا يأمره أن يأخذ العساكر ويسير بهم فلما جئت إليه وقلت له‏:‏ السلطان يأمرك أن تسير الساعة تحت الصناجق بالأمراء والعسكر قال‏:‏ فنفر في بيدرا ثم قال‏:‏ السمع والطاعة قال‏:‏ ورأيت في وجهه أثر الغيظ والحنق وقال‏:‏ ولم يستعجلني‏!‏ فظهر في وجهه شيء ما كنت أعهده منه ثم إني تركته ومشيت حملت الزردخاناه والثقل الذي لي وسرت فبينما أنا سائر أنا ورفيقي الأمير صارم الدين الفخري وركن الدين أمير جاندار عند المساء وإذا بنجاب سائر فسألت عن السلطان أين تركته فقال‏:‏ طول الله أعماركم فيه فبينما نحن متحيرون في أمره وإذا بالسناجق التي للسلطان قد لاحت وقربت والأمراء تحتها والأمير بدر الدين بيدرا بينهم وهم محدقون به قال‏:‏ فجئنا وسلمنا عليه فقال له الأمير ركن الدين بيبرس أمير جاندار‏:‏ يا خوند هذا الذي فعلته كان بمشورة الأمراء قال‏:‏ نعم إنما قتلته بمشورتهم وحضورهم وها هم كلهم حاضرون وكان من جملة من هو حاضر الأمير حسام الدين لاجين المنصوري والأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري والأمير بدر الدين بيسري وأكثر الأمراء سائقون معه قال‏:‏ ثم إن بيدرا شرع يعدد سيئات السلطان ومخازيه ومناحسه وإهماله أمور المسلمين واستهزاءه بالأمراء ومماليك أبيه ووزارته لابن السلعوس قال‏:‏ ثم إنه سألنا هل رأيتم الأمير زين الدين كتبغا‏.‏

فقلنا له‏:‏ لا فقال بعض الأمراء‏:‏ يا خوند هل كان عنده علم بالقضية فقال‏:‏ نعم وهو أول من أشار بهذا الأمر‏.‏

فلما كان ثاني يوم وإذا بالأميرين‏:‏ زين الدين كتبغا وحسام الدين أستاذ الدار قد جاؤوا في طلب كبير فيه مماليك السلطان الملك الأشرف نحو من الذي فارس وفيهم جماعة من العسكر والحلقة فالتقوه بالطرانة يوم الأحد أول النهار ثم ساق قطب الدين في أمر الواقعة نحوًا ممًا ذكرناه من أمر بيدرا وغيره إلى أن قال‏:‏ وتفرق جمع الأمير بيدرا‏.‏

قال ابن المحفدار‏:‏ فلما رأينا ما لنا بهم طاقة التجأنا إلى جبل هناك شمالي واختلطنا بذلك الطلب الذي فيه كتبغا ورأينا بعض أصحابنا فقال‏:‏ شدوا بالعجلة مناديلكم في رقابكم إلى تحت آباطكم فهي الإشارة بيننا وإلا قتلوكم أو شلحوكم فعملنا مناديلنا في رقابنا إلى تحت آباطنا وكان ذلك سبب سلامتنا فحصل لنا به نفع كثير من جهة الأمير زين الدين كتبغا ومن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وسلمت بذلك أنفسنا وأثقالنا وأموالنا ثم ظهر لهم أننا لم يكن لنا في باطن القضية علم‏.‏

قال‏:‏ وسرنا إلى قمة الجبل‏.‏

وذكر سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون حسب ما نذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى فيما يأتي‏.‏

قال‏:‏ ولما كان يوم خامس عشرين المحرم أحضر إلى قلعة الجبل أميران وهما سيف الدين بهادر رأس نوبة وجمال الدين آقوش الموصلي الحاجب فحين حضروا اجتمعوا الأشرفية عليهم فضربوا رقابهم وعلقوا رأس بهادر على باب داره الملاصقة لمشهد الحسين بالقاهرة‏.‏

وبهادر هذا هو الذي حط السيف في دبر الملك الأشرف بعد قتله وأخرجه من حلقه‏.‏

ثم أخذوا جثته وجثة آقوش وأحرقوهما في قمين جير وأما الأمير حسام الدلن لاجين المنصوري والأمير شمس الدين قرا سنقر فإنهما اختفيا ولم يظهر لهما خبر ولا وقع لهما على أثر‏.‏

ثم أحضر المماليك الأشرفية سبعة أمراء وهم‏:‏ سيف الدين نوغيه وسيف الدين ألناق وعلاء الدين ألطنبغا الجمدار وشمس الدين سنقر مملوك لاجين وحسام الدين طرنطاي الساقي ومحمد خواجا وسيف الدين أروس في يوم الاثنين خامس صفر إلى قلعة الجبل فلما رآهم السلطان الملك الناصر محمد أمر بقطع أيديهم أولًا وبعد ذلك يسمرون على الجمال وأن تعلق أيديهم في حلوقهم ففعل ذلك ورأس بيدرا أيضًا على رمح يطاف به معهم بمصر والقاهرة وبقوا على هذه الحالة إلى أن ماتوا وكل من مات منهم سلم إلى أهله والجميع دفنوهم بالقرافة‏.‏

قلت‏:‏ وقريب مما وقع لبيدرا هذا وأصحابه أوائل ألفاظ المقالة الخامسة عشرة من ‏"‏ كتاب أطباق الذهب ‏"‏ للشيخ الإمام الرباني شرف الدين عبد المؤمن الأصفهاني المعروف بشوروة وهي قوله‏:‏ ‏"‏ من الناس من يستطيب ركوب الأخطار وورود التيار ولحوق العار والشنار ويستحب وقد النار وعقد الزنار لأجل الدينار ويستلذ سف الرماد ونقل السماد وطي البلاد لأجل الأولاد ويصبر على نسف الجبال ونتف السبال لشهوة المال ويبدل الإيمان بالكفر ويحفر الجبال بالظفر للدنانير الضفر ويلج ماضغي الأسود للمراهم السود لا يكره صداعًا إذا نال كراعًا ويلقى النوائب بقلب صابر في هوى الشيخ أبي جابر ويأبى العز طبيعة ويرى الذل شريعة وإن رزق لعيعة يراها صنيعة يؤم راسه وترض أضراسه وإن أعطي درهمًا يراه مرهمًا‏.‏

ومن الناس من يختار العفاف ويعلف الإسفاف يدع الطعام طاويًا ويذر الشراب صاديًا ويرى المال رائحًا غاديًا يترك الدنيا لطلابها ويطرح الجيفة لكلابها لا يسترزق لئام الناس ويقنع بالخبز الناس يكره المن والأذى ويعاف الماء على القذى إن أثرى جعل موجوده معدومًا وإن أقوى حسب قفاره مأدومًا جوف خال وثوب بال ومجد عال ووجه مصفر عليه قرة وثوب أسمال وراءه عز وجمال وعقب مشقوق وذيل مفتوق يجره فتى مغبوق شعر‏:‏ لله تحت قباب العز طائفة أخفاهم في رداء الفقر إجلالا هم السلاطين في أطمار مسكنة استعبدوا من ملوك الأرض أقيالا غبر ملابسهم شم معاطسهم جروا على فلك الخضراء أذيالا هذي المناقب لا ثوبان من عدن خيطًا قميصًا فصارا بعد أسمالا هذي المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا هم الذين جبلوا برآء من التكلف يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف انتهى ما ذكرناه من المقالة الخامسة عشرة وإن كنا خرجنا عن المقصود من كون غالبها من غير ما نحن فيه غير أنني لم أذكرها بتمامها هنا إلا لغرابتها‏.‏

انتهى‏.‏

ولما مات الملك الأشرف خليل هذا وتم أمر أخيه الملك الناصر محمد في السلطنة استقر الأمير زين الدين كتبغا المنصوري نائب السلطنة وسنجر الشجاعي مدبر المملكة وأتابك العساكر وبقية الأمور تأتي في أول سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون بأوضح من هذا‏.‏

ولما قتل الملك الأشرف خليل المذكور بقي ملقى إلى أن خرج والي تروجة من بعد قتله بيومين ومعه أهل تروجة وأخذوه وغسلوه وكفنوه وجعلوه في تابوت في دار الوالي إلى أن سيروا من القاهرة الأمير سعد الدين كوجبا الناصري إلى مصرعه فأخذه في تابوت ووصل به إلى القاهرة سحر يوم الخميس ثاني عشرين صفر فدفن في تربة والدته بجوار أخيه الملك الصالح علي بن قلاوون - رحمهما الله تعالى - ورثاه ابن حبيب بقصيدة أولها‏:‏ الكامل تبًا لأقوام بمالك رقهم فتكوا وما رقوا لحالة مترف وافوه غدرًا ثم صالوا جملة بالمشرفي على المليك الأشرف وافى شهيدًا نحو روضات الرضا يختال بين مزهر ومزخرف وقال النويري في تاريخه‏:‏ كان ملكًا مهيبًا شجاعًا مقدامًا جسورًا جوادًا كريمًا بالمال أنفق على الجيش في هذه الثلاث سنين ثلاث نفقات‏:‏ الأولى في أول جلوسه في السلطنة في مال طرنطاي والثانية عند توجهه إلى عكا والثالثة عند توجهه إلى قلعة الروم انتهى كلام النويري باختصار‏.‏

وقال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في تاريخه‏:‏ ‏"‏ وكان قبل ولاية الملك الأشرف يؤخذ عند باب الجابية بدمشق عن كل حمل خمسة دراهم مكسًا فأول ما تسلطن وردت إلى دمشق مسامحة بإسقاط هذا وبين سطور المرسوم بقلم العلامة بخطه‏:‏ لتسقط عن رعايانا هذه الظلامة ويستجلب لنا الدعاء من الخاصة والعامة ‏"‏ انتهى كلام الصفدي‏.‏

وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخه بعد أن ساق من أحواله قطعة جيدة فقال‏:‏ ‏"‏ ولو طالت أيامه أو حياته لأخذ العراق وغيرها فإنه كان بطلًا شجاعًا مقدامًا مهيبًا عالي الهمة يملأ العين ويرجف القلب رأيته مرات وكان ضخمًا سمينًا كبير الوجه بديع الجمال مستدير اللحية على وجهه رونق الحسن وهيبة السلطنة وكان إلى جوده وبذله الأموال في أغراضه المنتهى‏.‏

وكان مخوف السطوة شديد الوطأة قوي البطش تخافه الملوك في أمصارها والوحوش العادية في آجامها‏.‏

أباد جماعة من كبار الدولة‏.‏

وكان منهمكًا في اللذات لا يعبأ بالتحرز لنفسه لفرط شجاعته ولم أحسبه بلغ ثلاثين سنة ولعل الله عز وجل قد عفا عنه وأوجب له الجنة لكثرة جهاده وإنكائه في الكفار ‏"‏ انتهى كلام الذهبي باختصار‏.‏

قلت‏:‏ وكان الأشرف مفرط الشجاعة والإقدام وجمهور الناس على أنه أشجع ملوك الترك قديمًا وحديثًا بلا مدافعة ثم من بعده الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق وشهرتهما في ذلك تغني عن الإطناب في ذكرهما‏.‏

وكانت مدة مملكة الأشرف هذا على مصر ثلاث سنين وشهرين وخمسة أيام لأن وفاة والده كانت في يوم السبت سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة‏.‏

وجلس الأشرف المذكور على تخت الملك في صبيحة دفن والده في يوم الاثنين ثامن ذي القعدة‏.‏

وقتل في يوم السبت ثاني عشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة‏.‏

انتهى‏.‏

وقال الشيخ قطب الدين اليونيني‏:‏ ومات يعني الملك الأشرف شهيدًا مظلومًا فإن جميع من وافق على قتله كان قد أحسن إليه ومناه وأعطاه وخوله وأعطاهم ضياعًا بالشام ولم تتجدد في زمانه مظلمة ولا استجد ضمان مكس وكان يحب الشأم وأهله وكذلك أهل الشأم كانوا يحبونه - رحمه الله تعالى وعفا عنه -‏.‏

السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف صلاح الدين خليل على مصر وهي سنة تسعين ستمائة‏.‏

على أنه حكم من الماضية من يوم الاثنين ثامن ذي القعدة إلى آخرها‏.‏

انتهى‏.‏

فيها أعني سنة تسعين وستمائة توفي الشيخ عز الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري السويدي الطبيب المشهور وهو من ولد سعد بن معاذ الأوسي - رضي الله عنه - كان قد تفرد في آخر عمره بمعرفة الطب وكان له مشاركة جيدة في العربية والتاريخ واجتمع بأكابر الأطباء وأفاضل الحكماء مثل المهذب عبد الرحيم بن علي الدخوار وغيره وقرأ علم الأدب على جماعة من العلماء وكان له نظم جيد‏.‏

من ذلك قوله في خضاب اللحية‏:‏ مخلع البسيط

لو أن تغيير لون شيبي ** يعيد ما فات من شبابي

لما وفى لي بما تلاقي ** روحي من كلفة الخضاب

قلت‏:‏ ويعجبني قول الشيخ صفي الدين عبد العزيز الحلي في هذا المعنى‏:‏

قالوا اخضب الشيب فقلت اقصروا ** فإن قصد الصدق من شيمتي

فكيف أرضى بعد ذا أنني ** أول ما أكذب في لحيتي

غيره في المعنى‏:‏ السريع

أقبح شيء قيل بين الورى ** أن يكذب الإنسان في لحيته

 ومن شعر عز الدين صاحب الترجمة‏:‏

البدر والسعد ذا شبهك وذا نجمك **والقد واللحظ ذا رمحك وذا سهمك

والبغض والحب ذا قسمي وذا قسمك ** والمسك والحسن ذا خالك وذا عمك

وفيها توفي ملك التتار أرغون بن أبغا بن هولاكو عظيم التتار وملكهم قيل‏:‏ إنه اغتيل بالسم وقيل‏:‏ إنه مات حتف أنفه واتهم الترك اليهود بقتله فمالوا عليهم بالسيوف فقتلوهم ونهبوا أموالهم واختلفت كلمة التتار فيمن يقيمونه بعده في الملك فمالت طائفة إلى بيدو ولم يوافقوا على كيختو فرحل كيختو إلى الروم وكان أرغون هذا قد عظم أمره عند التتار بعد قتل عمه أحمد تكودار ورسخت قدمه في الملك وكان شهمًا شجاعًا مقدامًا حسن الصورة سفاكًا للدماء شديد الوطأة‏.‏

وفيها توفي الشيخ عفيف الدين أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن علي بن يس العابدي ثم الكوفي ثم التلمساني المعروف بالعفيف التلمساني الصوفي الشاعر المشهور كان فاضلًا ويدعي العرفان ويتكلم في ذلك على اصطلاح القوم‏.‏

قال الشيخ قطب الدين‏:‏ ‏"‏ ورأيت جماعة ينسبونه إلى رقة الدين وتوفي وقد جاوز الثمانين سنة قلت‏:‏ وقد تقدم ذكر ولده الأديب الظريف شمس الدين محمد أنه مات في حياة والده العفيف هذا انتهى‏.‏

وكان العفيف المذكور من الشعراء المجيدين وله ديوان شعر كبير ومن شعره‏:‏ السريع يشكو إلى أردافه خصره لو تسمع الأمواج شكوى الغريق يا ردفه رق على خصره فإنه حمل ما لا يطيق وله‏:‏ الكامل إن كان قتلي في الهوى يتعين يا قاتلي فبسيف جفنك أهون حسبي وحسبك أن تكون مدامعي غسلي وفي ثوب السقام أكفن عجبًا لخدك وردة في بأنه والبان فوق الغصن ما لا يمكن أدنته لي سنة الكرى فلثمته حتى تبدل بالشقيق السوسن ووردت كوثر ثغره فحسبتني في جنة من وجنيته أسكن ما راعني إلا بلال الخال فو - - ق الخد في صبح الجبين يؤذن قلت‏:‏ وهذا مأخوذ من قول الحاجري من قصيدة‏:‏ أقام بلال الخال في صحن خده يراقب من لألاء غرته الفجرا وانظر إلى الخال فوق الثغر دون لمى تجد بلالًا يراعي الصبح في السحر قلت‏:‏ وقد سبق إلى هذا المعنى أمير المؤمنين عبد الله بن المعتز بقوله‏:‏ السريع أسفر ضوء الصبح من وجهه فقام خال الخد فيه بلال كأنما الخال على خده ساعة هجر في زمان الوصال قلت وقد استوعبنا من ذكر العفيف هذا في ترجمته في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ‏"‏ نبذة كبيرة فلينظر هناك‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة فقيه الشام تاج الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري البدري المصري ‏"‏ الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بالفركاح‏.‏

ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة‏.‏

قال الصفدي‏:‏ تفقه في صغره على الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن الصلاح وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للاشتغال وله بضع وعشرون سنة ودرس في سنة ثمان وأربعين وكتب في الفتاوى وقد أكمل الثلاثين‏.‏

ولما قدم النووي من بلده أحضروه ليشتغل عليه فحمل همه وبعث به إلى مدرس الرواحية ليصح له بها بيت ويرتفق بمعلومها وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار وإذا سافر لزيارة القدس يترامى أهل البر على ضيافته وكان أكبر من الشيخ محيي الدين النووي بسبع سنين وهو أفقه نفسًا وأذكى وأقوى مناظرة من الشيخ محيي الدين بكثير وقيل إنه كان يقول‏:‏ أيش قال النووي في مزبلته‏!‏ يعني عن الروضة قال‏:‏ وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يسميه ‏"‏ الدويك ‏"‏ لحسن بحثه‏.‏

انتهى كلام الصفدي باختصار‏.‏

ومن شعره ما كتبه لزين الدين عبد الملك بن العجمي ملغزًا في اسم بيدرا‏:‏ البسيط

يا سيدًا ملأ الآفاق قاطبة ** بكل فن من الألغاز مبتكر

ما اسم مسماه بدر وهو مشتمل ** عليه في اللفظ إن حققت في النظر

وإن تكن مسقطًا ثانيه مقتصرًا ** عليه في الحذف أضحى واحد البدر

وله أيضًا دو بيت‏.‏

ما أطيب ما كنت من الوجد لقيت إذ أصبح بالحبيب صبًا وأبيت واليوم صحا قلبي من سكرته ما أعرف في الغرام من أين أتيت الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي مسند العالم فخر الدين علي بن البخاري المقدسي في ربيع الآخر وله خمس وتسعون سنة‏.‏

والمعمر شهاب الدين غازي بن أبي الفضل الحلاوي في صفر وفخر الدين عمر بن يحيى الكرخى في شهر ربيع الآخر وله إحدى وتسعون سنة‏.‏

والعلامة تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي في جمادى الآخرة وله ست وستون سنة‏.‏

والشيخ العفيف التلمساني الشاعر سليمان بن علي في رجب وله ثمانون سنة‏.‏

والمقرىء شهاب الدين محمد بن عبد الخالق بن مزهر في رجب‏.‏

والقاضي شمس الدين عبد الواسع بن عبد الكافي الأبهري في شوال‏.‏

والمسند نجم الدين يوسف بن يعقوب بن محمد بن المجاور في ذي القعدة‏.‏

والمسند شمس الدين محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصالحي في ذي الحجة وهو آخر من سمع من الكندي والإمام شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الزبير الخابوري خطيب حلب في المحرم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وثلاث أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏

السنة الثانية من سلطنة الملك الأشرف خليل وهي سنة إحدى وتسعين وستمائة‏.‏

فيها في يوم الجمعة رابع عشرين صفر ظهر بقلعة الجبل حريق عظيم في بعض خزائن الخاص وأتلف شيئًا عظيمًا من الذخائر والنفائس والكتب وغيرها‏.‏

وفيها توفي الصاحب تاج الدين أحمد ابن شرف الدين سعيد ابن شمس الدين محمد بن الأثير الحلبي الكاتب المنشىء‏.‏

وأولاد ابن الأثير هؤلاء غير بني الأثير الموصليين‏.‏

وكان تاج الدين هذا بارعًا فاضلًا معظمًا في الدول‏.‏

باشر الإنشاء بدمشق ثم بمصر للملك الظاهر بيبرس ثم للملك المنصور قلاوون وكان له نظم ونثر ولكلامه رونق وطلاوة‏.‏

ومن عجيب ما اتفق أن الأمير عز الدين أيدمر السناني النجيبي الدوادار أنشد تاج الدين المذكور عند قدومه إلى القاهرة في الأيام الظاهرية أول اجتماعه به ولم يكن يعلم اسمه ولا اسم أبيه قول الشاعر‏:‏ البسيط كانت مساءلة الركبان تخبرني عن أحمد بن سعيد أحسن الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري فقال له تاج الدين‏:‏ يا مولانا أتعرف أحمد بن سعيد فقال‏:‏ لا فقال‏:‏ المملوك أحمد بن سعيد‏.‏

ولم يزل تاج الدين هذا يترقى إلى أن ولي كتابة السر بمصر بعد موت فتح الدين محمد بن عبد الظاهر الآتي ذكره‏.‏

ولما ولي كتابة السر سافر مع السلطان إلى الديار المصرية فأدركه أجله فمات بغزة ودفن هناك وولي بعده كتابة السر ابنه عماد الدين إسماعيل مدة إلى أن عزل بشرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمري‏.‏

وكان تاج الدين فاضلًا نبيلًا وله يد في النظم والنثر‏.‏

ومن شعره القصيدة التي أولها‏:‏ الطويل أتتني أياديك التي لو تصورت محاسنها كانت من الأنجم الزهر وفيها توفي القاضي فتح الدين محمد ابن القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر الجذامي الروحي المصري المعروف بآبن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء ومؤتمن المملكة بالديار المصرية‏.‏

مولده بالقاهرة في سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الحديث وتفقه ومهر في الإنشاء وساد في الدولة المنصورية قلاوون برأيه وعقله وحسن سياسته وتقدم على والده فكان والده من جملة الجماعة الذين يصرفهم أمره ونهيه وقد تقدم ذكره في ترجمة الملك المنصور قلاوون والتعريف بحاله‏.‏

ومن شعر فتح الدين المذكور لما توجه إلى دمشق في صحبة السلطان وحصل له توعك فكتب إلى والده يقول‏:‏ الكامل إن شئت تبصرني وتبصر حالتي قابل إذا هب النسيم قبولا تلقاه مثلي رقة ونحافة ولأجل قلبك لا أقول عليلا فهو الرسول إليك مني ليتني كنت اتخذت مع الرسول سبيلا وله‏:‏ الخفيف ذو قوام يجور منه اعتدال كم طعين به من العشاق سلب القضب لينها فهي غيظًا واقفات تشكوه بالأوراق قلت‏:‏ وأجاد شمس الدين محمد بن العفيف في هذا المعنى حيث قال‏:‏ سلب الأغصان لينًا فهي بالأوراق تشكو الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي سيف الدين عبد الرحمن بن محفوظ الرسعني في المحرم‏.‏

وخطيب دمشق زين الدين عمر بن مكي الوكيل في ربيع الأول‏.‏

والمقرىء رضي الدين جعفر بن القاسم المعروف بابن دبوقا الربعي في رجب‏.‏

والعدل علاء الدين علي بن أبي بكر بن أبي الفتح بن محفوظ بن الحسن بن صصرى الضرير في شعبان‏.‏

والموقعان‏:‏ سعد الدين سعد الله بن مروان الفارقي وفتح الدين محمد بن محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وست عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف خليل وهي سنة اثنتين وتسعين وستمائة‏.‏

فيها حصل ببلاد غزة والرملة وقاقون والكرك زلزلة عظيمة وكان معظم تأثيرها بالكرك بحيث انهدم ثلاثة أبراج من قلعتها وبنيان كثير من دورها وأماكنها وكانت الزلزلة المذكورة في صفر‏.‏

وفيها كانت وفاة الأمير الكبير شمس الدين سنقر بن عبد الله العلائي ثم الصالحي النجمي المعروف بالأشقر كان من كبار الأمراء ممن تملك الشام في أوائل سلطنة الملك المنصور قلاوون ودعا لنفسه وتلقب ‏"‏ بالملك الكامل ‏"‏ وخطب له على منابر الشام وضرب الدرهم والدينار باسمه وقد أوضحنا من أمره نبذة كبيرة في عدة مواضع من ترجمة الملك المنصور قلاوون وغيره‏.‏

ووقع له مع الملك المنصور أمور أسفرت بعد سنين على أنه دخل تحت طاعته وصار من جملة أكابر أمرائه‏.‏

واستمر سنقر على ذلك إلى أن مات الملك المنصور قلاوون وملك بعده ابنه الملك الأشرف خليل صاحب الترجمة قبض عليه في هذه السنة وخنقه وخنق معه جماعة من الأمراء لأمر اقتضاه رأيه‏.‏

والأمراء الذين قتلوا معه مثل‏:‏ الأمير ركن الدين طقصو الناصري وجرمك الناصري وبلبان الهاروني وكان معهم الأمير حسام الدين لاجين المنصوري الذي تسلطن بعد ذلك فوضع السلطان الوتر في رقبته لخنقه فانقطع الوتر فقال لاجين‏:‏ يا خوند أيش ذنبي‏!‏ ما لي ذنب إلا أن طقصو حموي وأنا أطلق بنته فرقوا له خشداشيته لأمر سبق في علم الله وقبلوا الأرض وسألوا السلطان فيه وضمنه خشداشه الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة فأطلقه السلطان وأعاده إلى رتبته وأخذ سنقر الأشقر هذا ودفن بالقرافة‏.‏

وكان سنقر المذكور أميرًا شجاعًا مقدامًا كريمًا حسن السياسة مهابًا جليلًا معظمًا في الدول وخوطب بالسلطنة سنين عديدة إلى أن ضعف أمره ونزل من قلعة صهيون بالأمان وقدم على الملك المنصور قلاوون فأكرمه قلاوون ودام على ذلك إلى أن مات‏.‏

وكان سنقر شجاعًا أشقر عبل البدن جهوري الصوت مليح الشكل‏.‏

رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الشيخ الصالح القدوة المعتقد شيخ الشام أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ السيد العارف أبي محمد عبد الله الأرموي بزاويته بجبل قاسيون بعد الظهر وكانت جنازته مشهودة رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الصاحب محيي الدين عبد الله بن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر السعدي الموقع كاتب الإنشاء بالديار المصرية‏.‏

وقد تقدم ذكر ولده القاضي فتح الدين في السنة الماضية‏.‏

كان محيي الدين هذا من سادات‏.‏

الكتاب ورؤسائهم وفضلائهم‏.‏

ومولده في سنة عشرين وستمائة بالقاهرة ومات يوم الأربعاء ثالث شهر رجب ودفن بالقرافة بتربته التي أنشأها‏.‏

وهو صاحب النظم الرائق والنثر الفائق‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ يا قاتلي بجفون قتيلها ليس يقبر إن صبروا عنك قلبي فهو القتيل المصبر وله وأجاد إلى الغاية‏:‏ الخفيف نسب الناس للحمامة حزنًا وأراها في الشجو ليست هنالك وله مضمنًا‏:‏ الطويل لقد قال كعب في النبي قصيدة وقلنا عسى في مدحه نتشارك فإن شملتنا بالجوائز رحمة كرحمة كعب فهو كعب مبارك وله‏:‏ الخفيف سلفتنا على العقول السلافه فتقاضت ديونها بلطافه ضيفتنا بالنشر والبشر واليس - - ر ألا هكذا تكون الضيافه وقد سقنا من ترجمته في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي ‏"‏ عدة أخر غير هؤلاء المقطعات‏.‏

وفيها توفي الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الحلبي الأمير الكبير أحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام وقد شهد عدة حروب وله مواقف مشهورة مع العدو‏.‏

وكان أبيض الرأس واللحية من أبناء الثمانين وكان ولي نيابة دمشق في آخر سنة ثمان وخمسين وستمائة‏.‏

ولما تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس لم يبايعه سنجر هذا ودعا لنفسه وحلف الأمراء وتسلطن بدمشق ولقب ‏"‏ بالملك المجاهد ‏"‏ فلم يتم له ذلك حسب ما تقدم ذكره في أول ترجمة الملك الظاهر بيبرس وقبض الظاهر عليه وحبسه مدة سنين إلى أن مات‏.‏

وتسلطن بعده ولده الملك السعيد فأفرج عنه وأمره فدام على ذلك إلى أن تسلطن الملك المنصور قلاوون ولما خرج عليه الأمير سنقر الأشقر المقدم ذكره وتسلطن بدمشق ندب المنصور لحربه علم الدين سنجر هذا وأضاف إليه العساكر المصرية فخرج إليه وقاتله وكسره وأخرجه من دمشق ثم عاد إلى الديار المصرية فأنعم عليه المنصور قلاوون بأشياء كثيرة ثم خانه وقبض عليه وحبسه إلى أن مات‏.‏

فلما تسلطن ولده الملك الأشرف خليل أفرج عنه وأكرمه ورفع منزلته‏.‏

وكان سبب مسك قلاوون له أنه لما كسر سنقر الأشقر عظم في أعين الناس ولهج بعض الناس بتسميته ‏"‏ بالملك المجاهد ‏"‏ كما كان تلقب أولًا لما ادعى السلطنة فبادره قلاوون وقبض عليه‏.‏

وكان سنجر هذا من بقايا الأمراء الصالحية النجمية رحمه الله تعالى‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الشيخ الزاهد إبراهيم ابن العارف الشيخ عبد الله الأرموي في المحرم وكمال الدين أحمد بن محمد النصيبي الحلبي في المحرم‏.‏

والمقرىء جمال الدين إبراهيم بن داود الفاضلي في أول جمادى الأولى والإمام القدوة تقي الدين إبراهيم بن علي بن الواسطي الحنبلي في جمادى الآخرة وله تسعون سنة‏.‏

والسيف علي ابن الرضي عبد الرحمن المقدسي في شوال‏.‏

والمحدث التقي عبيد بن محمد بن عباس الإسعردي‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم المصري راوي الترمذي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وعشر أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

انتهت ترجمة الملك الأشرف خليل‏.‏